الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.من فوائد ابن عطية في الآية: قال رحمه الله:وقوله تعالى: {أم يحسدون الناس} الآية، {أم} هذه على بابها، لأن الاستفهام الذي في تقديرنا، بل ألهم قد تقدمها، واختلف المتأولون في المراد بـ {الناس} في هذا الموضع، فقال ابن عباس ومجاهد وعكرمة والسدي والضحاك، هو النبي عليه السلام، والفضل النبوة فقط، والمعنى فلمَ يخصونه بالحسد ولا يحسدون آل إبراهيم في جميع ما آتيناهم من هذا وغيره من الملك؟ وقال ابن عباس والسدي أيضًا: هو النبي صلى الله عليه وسلم، والفضل ما أبيح له من النساء فقط، وسبب الآية عندهم، أن اليهود قالت لكفار العرب: انظروا إلى هذا الذي يقول: إنه بعث بالتواضع، وإنه لا يملأ بطنه طعامًا، ليس همه إلا في النساء، ونحو هذا، فنزلت الآية، والمعنى فلمَ يخصونه بالحسد ولا يحسدون آل إبراهيم؟ صلى الله عليه وسلم يعني سليمان وداود عليهما السلام في أنهما أعطيا النبوة والكتاب، وأعطيا مع ذلك ملكًا عظيمًا، في أمر النساء، وهو ما روي أنه كان لسليمان سبعمائة امرأة، وثلاثمائة سرية، ولداود مائة امرأة، ونحو هذا من الأخبارالواردة في ذلك، فالملك في القول إباحة النساء، كأنه المقصود أولًا بالذكر، وقال قتادة: {الناس} في هذا الموضع: العرب، حسدتها بنو إسرائيل في أن كان النبي عليه السلام منها، والفضل على هذا التأويل: هو محمد عليه السلام، فالمعنى: لم يحسدون العرب على هذا النبي صلى الله عليه وسلم وقد أوتي آل إبراهيم صلى الله عليه وسلم- وهم أسلافهم- أنبياء وكتبًا، كالتوراة والزبور، {وحكمة} وفي الفهم في الدين وما يكون من الهدى مما لم ينص عليه الكتاب، وروي عن ابن عباس أنه قال: نحن الناس يريد قرشًا، {وملكًا عظيمًا}: أي ملك سليمان، قاله ابن عباس: وقال مجاهد: الملك العظيم في الآية هو النبوة، وقال همام بن الحارث وأبو مسلمة: هو التأييد بالملائكة.قال القاضي أبو محمد: والأصوب أنه ملك سليمان أو أمر النساء في التأويل المتقدم. اهـ..من فوائد ابن الجوزي في الآية: قال رحمه الله:قوله تعالى: {أم يحسدون الناس} سبب نزولها: أن أهل الكتاب قالوا: يزعم محمد أنه أوتي ما أوتي في تواضع، وله تسع نسوة، فأيُّ ملك أفضل من هذا، فنزلت، رواه العوفي، عن ابن عباس.وفي أم قولان:أحدهما: أنها بمعنى ألف الاستفهام، قاله ابن قتيبة.والثاني: بمعنى بل قاله الزجاج، وقد سبق ذكر الحسد في (سورة البقرة) والحاسدون هاهنا: اليهود.وفي المراد بالناس هاهنا أربعة أقوال:أحدها: النبي صلى الله عليه وسلم، رواه عطيّة، عن ابن عباس، وبه قال عكرمة، ومجاهد، والضحاك، والسدي، ومقاتل.والثاني: النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وعمر، روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.والثالث: العرب، قاله قتادة.والرابع: النبي، والصحابة، ذكره الماوردي.وفي الذي آتاهم الله من فضله ثلاثة أقوال:أحدها: إِباحة الله تعالى نبيه أن ينكح ما شاء من النساء من غير عدد، روي عن ابن عباس، والضحاك، والسدي.والثاني: أنه النبوّة، قاله ابن جريج، والزجاج.والثالث: بعثة نبي منهم على قول من قال: هم العرب.قوله تعالى: {فقد آتينا آل إِبراهيم الكتاب} يعني: التوراة، والإِنجيل، والزبور.كله كان في آل إِبراهيم، وهذا النبي من أولاد إِبراهيم.وفي الحكمة قولان:أحدهما: النبوة، قاله السدي، ومقاتل.والثاني: الفقه في الدين، قاله أبو سليمان الدمشقي.وفي الملك العظيم خمسة أقوال:أحدها: ملك سليمان، رواه عطيّة، عن ابن عباس.والثاني: ملك داود، وسليمان في النساء، كان لداود مائة امرأة، ولسليمان سبعمائة امرأة، وثلاثمائة سريّة، رواه أبو صالح، عن ابن عباس، وبه قال السدّي.والثالث: النبوّة قاله مجاهد.والرابع: التأييد بالملائكة، قاله ابن زيد في آخرين.والخامس: الجمع بين سياسة الدنيا، وشرع الدين، ذكره الماوردي. اهـ..من فوائد الألوسي في الآية: قال رحمه الله:{أَمْ يَحْسُدُونَ الناس} انتقال من توبيخهم بالبخل إلى توبيخهم بالحسد الذي هو من أقبح الرذائل المهلكة من اتصف بها دنيا وأخرى، وذكره بعده من باب الترقي، و{أَمْ} منقطعة والهمزة المقدرة بعدها لإنكار الواقع، والمراد من الناس سيدهم بل سيد الخليقة على الإطلاق محمد صلى الله عليه وسلم هذا ذهب عكرمة ومجاهد والضحاك وأبو مالك وعطية، وقد أخرج ابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قال أهل الكتاب: زعم محمد أنه أوتي ما أوتي في تواضع وله تسع نسوة وليس همه إلا النكاح فأي ملك أفضل من هذا فأنزل الله تعالى هذه الآية.وذهب قتادة والحسن وابن جريج إلى أن المراد بهم العرب، وعن أبي جعفر وأبي عبد الله أنهم النبي وآله عليه وعليهم أفضل الصلاة وأكمل السلام، وقيل: المراد بهم جميع الناس الذين بعث إليهم النبي صلى الله عليه وسلم من الأسود والأحمر أي بل أيحسدونهم {على مَا ءاتاهم الله مِن فَضْلِهِ} يعني النبوة وإباحة تسع نسوة أو بعثة النبي صلى الله عليه وسلم منهم ونزول القرآن بلسانهم أو جمعهم كمالات تقصر عنها الأماني، أو تهيئة سبب رشادهم ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم إليهم، والحسد على هذا مجاز لأن اليهود لما نازعوه في نبوته صلى الله عليه وسلم التي هي إرشاد لجميع الناس فكأنما حسدوهم جمع {فَقَدْ ءاتَيْنَا} تعليل للإنكار والاستقباح وإجراء الكلام على سنن الكبرياء بطريق الالتفات لإظهار كمال العناية بالأمر، والفاء كما قيل: فصيحة أي أن يحسدوا الناس على ما أوتوا فقد أخطأوا إذ ليس الإيتاء ببدع منا لأنا قد آتينا من قبل هذا {ءالَ إبراهيم الكتاب} أي جنسه والمراد به التوراة والإنجيل أو هما والزبور {والحكمة} أي النبوة، أو إتقان العلم والعمل، أو الأسرار المودعة في الكتاب أقوال {وءاتيناهم} مع ذلك {مُّلْكًا عَظِيمًا} لا يقادر قدره، وجوز أن يكون المعنى أنهم لا ينتفعون بهذا الحسد فإنا قد آتينا هؤلاء ما آتينا مع كثرة الحساد الجبابرة من نمروذ. وفرعون.وغيرهما فلم ينتفع الحاسد ولم يتضرر المحسود، وأن يراد أن حسدهم هذا في غاية القبح والبطلان فإنا قد آتينا من قبل أسلاف هذا النبي المحسود صلى الله عليه وسلم وأبناء عمه ما آتيناهم فكيف يستبعدون نبوته عليه الصلاة والسلام ويحسدونه على إيتائها وتكرير الإيتاء لما يقتضيه مقام التفصيل مع الإشعار بما بين الملك وما قبله من المغايرة، والمراد من الإيتاء إما الإيتاء بالذات وإما ما هو أعم منه ومن الإيتاء بالواسطة، وعلى الأول: فالمراد من آل إبراهيم أنبياء ذريته، ومن الضمير الراجع إليهم من {ءاتيناهم} بعضهم، فعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما الملك في آل إبراهيم ملك يوسف وداود وسليمان عليهم السلام، وخصه السدي بما أحل لداود.وسليمان من النساء فقد كان للأول تسع وتسعون امرأة ولولده ثلثمائة امرأة ومثلها سرية وعن محمد بن كعب قال: «بلغني أنه كان لسليمان عليه السلام ثلثمائة امرأة وسبعمائة سرية»، وعلى الثاني: فالمراد بهم ذريته كلها فإن تشريف البعض بما ذكر تشريف (للكل لاغتنامهم بآثار ذلك واقتباسهم من أنوار).ومن الناس من فسر الحكمة بالعلم والملك العظيم بالنبوة، ونسب ذلك إلى الحسن ومجاهد، ولا يخفى أن إطلاق الملك العظيم على النبوة في غاية البعد والحمل على المتبادر أولى. اهـ..من فوائد ابن عاشور في الآية: قال رحمه الله:والاستفهام المقدّر بعد (أم) هذه إنكار على حسدهم، وليس مفيدًا لنفي الحسد لأنّه واقع.والمراد بالناس النبي صلى الله عليه وسلم والفضل النبوءة، أو المراد به النبي والمؤمنون، والفضلُ الهُدى بالإيمان.وقوله: {فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب} عطف على مقدّر من معنى الاستفهام الإنكاري، توجيهًا للإنكار عليهم، أي فلا بدع فيما حسدوه إذ قد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة والملك.وآل إبراهيم: أبناؤه وعقبه ونسله، وهو داخل في هذا الحكم لأنّهم إنّما أعطوه لأجل كرامته عند الله ووعد الله إيّاه بذلك.وتعريف (الكتاب): تعريف الجنس، فيصدق بالمتعدّد، فيشمل صحف إبراهيم، وصحف موسى، وما أنزل بعد ذلك.والحكمة: النبوءة، والملك: هو ما وعد الله به إبراهيم أن يعطيه ذرّيته وما آتى الله داود وسليمان وملوكَ إسرائيل.وضمير {منهم} يجوز أن يعود إلى ما عاد إليه ضمير {يحسدون}. اهـ..من فوائد السعدي في الآية: قال رحمه الله:وهذا من قبائح اليهود وحسدهم للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، أن أخلاقهم الرذيلة وطبعهم الخبيث، حملهم على ترك الإيمان بالله ورسوله، والتعوض عنه بالإيمان بالجبت والطاغوت، وهو الإيمان بكل عبادة لغير الله، أو حكم بغير شرع الله.فدخل في ذلك السحر والكهانة، وعبادة غير الله، وطاعة الشيطان، كل هذا من الجبت والطاغوت، وكذلك حَمَلهم الكفر والحسد على أن فضلوا طريقة الكافرين بالله- عبدة الأصنام- على طريق المؤمنين فقال: {وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا} أي: لأجلهم تملقا لهم ومداهنة، وبغضا للإيمان: {هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلا} أي: طريقا. فما أسمجهم وأشد عنادهم وأقل عقولهم! كيف سلكوا هذا المسلك الوخيم والوادي الذميم؟. هل ظنوا أن هذا يروج على أحد من العقلاء، أو يدخل عقلَ أحد من الجهلاء، فهل يُفَضَّل دين قام على عبادة الأصنام والأوثان، واستقام على تحريم الطيبات، وإباحة الخبائث، وإحلال كثير من المحرمات، وإقامة الظلم بين الخلق، وتسوية الخالق بالمخلوقين، والكفر بالله ورسله وكتبه، على دين قام على عبادة الرحمن، والإخلاص لله في السر والإعلان، والكفر بما يعبد من دونه من الأوثان والأنداد والكاذبين، وعلى صلة الأرحام والإحسان إلى جميع الخلق، حتى البهائم، وإقامة العدل والقسط بين الناس، وتحريم كل خبيث وظلم، والصدق في جميع الأقوال والأعمال، فهل هذا إلا من الهذيان، وصاحب هذا القول إما من أجهل الناس وأضعفهم عقلا وإما من أعظمهم عنادا وتمردا ومراغمة للحق، وهذا هو الواقع. اهـ.
|